السبت، 1 أكتوبر 2011

موازنة عام (2012) ... ارقام تتصاعد وواقع ينحدر


كتابات - خالد الخفاجي

شكلت الموازنة العامة لعام (2012) قفزة هائلة من حيث ضخامة المبلغ الإجمالي الذي وصلت إليه, تسيل معها لعاب الفاسدين والمنتفعين وحسرة أبناء الشعب من الفقراء والمحرومين, حتى عدت بأنها الموازنة الثانية على مستوى الوطن العربي بعد الموازنة العامة للسعودية, وإذا كان ارتفاع حجم الموازنة العامة لأي دولة من دول العالم يكون مدعاة فخر وتفاؤل كونها ستزيد الإنفاق في عمليات البناء الاقتصادي وتحقق المزيد من الرفاهية لأبناء البلد, إلا إن ارتفاع الموازنة العامة في العراق يثير الكثير من التوجس والارتياب, ففي ظل انعدام النظرة الاقتصادية المستقبلية وغياب الخطط التنموية وارتفاع مؤشرات الفساد العالية والهدر الصارخ للمال العام على مشاريع وهمية وواهية يجعلنا نؤجل احتفاءنا بهذه الموازنة ومراجعة سجلات الحكومة وتقييم أداءها السابق, ونود ان نوضح

إن ابرز صفة من صفات (الفساد الحكومي) هو زيادة الإنفاق الحكومي إلى أقصى حد على مشاريع استثمارية سريعة وسهلة الانجاز تمنح بتخصيصات باهظة التكاليف تمنح للمحسوبين والمنسوبين من أركان السلطة وإتباعها أو لقاء ما تدره هذه المشاريع من (عمولات ورشا) لذلك يزداد الإنفاق الحكومي حتى وان كانت هذه المشاريع سببا لإحداث العجز في موازناتها العامة والاقتراض بفوائد عالية وشروط مجحفة لسد العجز.

ولو القينا نظرة سريعة على بيانات الموازنات للعام الحالي والقادم ومقارنتها فإننا نجد: إن موازنة العام الحالي بلغت (82,6) مليار دولار بعجز قدره (12) مليار دولار أي ان نسبة العجز تبلغ (14,6%) فيما ستكون إيرادات العام القادم تقدر وعلى أساس الحد الأدنى لأسعار النفط (85$/برميل) (92) مليار دولار أي بزيادة عن إيرادات هذه السنة بنسبة (31%) وتزيد على حجم الموازنة العامة الإجمالي بما فيها من عجز بنسبة (26%) ومع هذا فان هذه الزيادة الكبيرة في الإيرادات سوف لا تغطي حجم الإنفاق الحكومي الذي زاد بمقدار (36%) لتبلغ الموازنة العامة (112) مليار دولار وبعجز يرتفع إلى (20) مليار دولار أي إن نسبته ارتفعت رغم ارتفاع الإيرادات من (14,6%) إلى (17,8%) تسد بالاقتراض الداخلي أو الخارجي.

واستنادا إلى التقييم الاقتصادي الواقعي لأداء الحكومة وكيفية التصرف بتخصيصات الموازنة العامة وفي ظل مؤشرات الفساد المرتفعة تجعلنا لا نعير أي أهمية لحجم التخصيصات التشغيلية أو الاستثمارية رغم أهميتها لرجال الاقتصاد والتي تمثل مؤشر على ارتفاع أو انحدار وتائر عمليات التنمية والبناء, فالموازنة التشغيلية تهدر فيها الأموال الطائلة على شكل صرفيات ونثريات وايفادات وامتيازات ورواتب فاحشة حتى بلغت ما تستنزفه تخصيصات الهيئات الرئاسية وحدها (21%) من حجم الموازنة التشغيلية البالغة (70%) من حجم الموازنة العامة الإجمالي وهذا يعني ان الهيئات الرئاسية الثلاث تستنزف لوحدها اكثر من (12) مليار دولار, أما الاستثمارية فهي ليست بأفضل حالا من سابقتها وتهدر فيها الأموال على عقود وهمية لا وجود لها إلا في السجلات الحكومية وفي مشاريع واهية سريعة الانجاز وتتلاشى بنفس سرعة انجازها وربما لا تنجز أبدا وتستقر تخصيصاتها في جيوب الفاسدين, ولعلنا لا نذهب بعيدا في تفاؤلنا كما بدى على الكثير من المحللين الاقتصاديين من حجم التخصيصات المالية ورفعها بنسب عالية جداعلى بعض الوزارات كونها تمثل حصص ومغانم للكتل والاحزاب المنضوية تحت لواء العملية السياسية, فالامن المفقود خصص له (17) مليار دولار مع انهما ما زالا دون وزراء واغلب الظن ان هذه التخصيصات ستكون حافزا للتمسك بهما وابقاءهما على حالهما, اما قطاع الطاقة (النفط والكهرباء) فخصص له اكثر من (12) مليار دولار وكانه كان يعاني من شح في الموارد ليصل حجم الانتاج النفطي الى اقل مما كان عليه قبل الاحتلال الاميركي ولا نعلم اين تبخرت (8) مليارات دولار انفقت عليه, اما الكهرباء وبعد انفاق (28) مليار دولار فان حصة المواطن منها لا تزيد عن (25%) من حاجته في افضل الحالات,اما قطاعات التربية والتعليم والخدمات والصحة فهي اصبحت من الكماليات ولا حاجة للمواطن بها, ومع كل هذا الفساد والهدر ترفع الحكومة من انفاقها وترفع من نسبة العجز فيها.

ولعل السؤال الذي لا بد من طرحه, إذا كانت الحكومة عاجزة تماما عن وضع الخطط الاقتصادية الكفيلة برفع الناتج القومي أو تحسين المستوى ألمعاشي للمواطنين, فلماذا تصر إذا على الاقتراض وتحميل خزينة الدولة اعباءا إضافية نحن في غنى عنها ؟

للإجابة على هذا السؤال, لابد من التذكير إن الموازنات العامة تخضع بشكل مباشر لإشراف وموافقة خبراء (الصندوق والبنك الدوليين) الذي انتدب مجموعة من مستشاريه لمساعدة الحكومة العراقية في إعداد موازناتها العامة, فهل من المنطقي أن يضع هؤلاء الخبراء موازنات من دون إحداث العجز فيها الذي يوفر فرصة ذهبية لمؤسستيهما في سد العجز بقروض وفوائد وشروط مجحفة واستثمار الفائض النقدي الهائل الذي يحتكمان عليه؟ إذا هنالك فائدة مشتركة في زيادة الإنفاق الحكومي وبين العجز والاقتراض لكلا الطرفين, ليس هذا فحسب, (والحديث عن الفساد لم ينتهي بعد), فمن المعروف عن (البنك والصندوق الدوليين) إنهما مؤسستين ماليتين فاسدتين يحل الفساد الحكومي حيثما حلت قروضهما, يتم التفاوض على الاقتراض بين ممثلي الحكومات ومندوبي هاتين المؤسستين وعلى نحو مألوف تفاوضا سريا, وتستفيد في اغلب الأحيان الحكومات المقترضة إضافة إلى سد عجزها ومساعدتها على زيادة إنفاقها, على فوائد مباشرة من خلال مشاركتهم في العقود ومنحهم (رشا وعمولات) يتقاضونها من المتعاقدين معهم عرفانا بجميلهم, ويخلق هذا النظام حافزا للإكثار من الاقتراض حتى وان كانت الدولة لا تحتاج إلى هذه القروض, لكنها تمعن في الاقتراض وتطويق أعناق الشعب بالتزامات مالية مستقبلية خارج نطاق أي مراجعة أو موافقة منهم, ويصبح هذا الأمر فضيعا حين يحل موعد تسديد فواتير الحساب والتي سرعان ما ستحول إلى أبناء الشعب بإجراءات تقشفية تفرضها المؤسسات المالية لسداد ديون فساد الحكام.

لذلك فان زيادة الإنفاق والعجز والاقتراض سيستمر في الموازنات العامة إلى الحد الذي سيبلغ فيه عجزالحكومة عن سداد فوائد الاقتراض وحدها, ففي موازنة عام (2012) خصصت ما نسبته (11%) للديون والتعويضات وإذا ما خصمنا نسبة (5%) تعويضات الكويت, فان المتبقي وهو (6%) هو لتسديد الديون وهو ما يعادل (6,7) مليار دولار, فكم تبلغ الديون المستحقة وفوائدها بذمة العراق؟ سؤال سنعلم إجابته حين يطرق بابنا جابي الديون المستحقة لنصعق على هول الكارثة التي أوقعتنا فيها حكومتنا...

Khalid.alkhafaji@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق