الثلاثاء، 3 يناير 2012

أكبر مقبرة لليهود في العراق,أسرار خلف الأسوار.


.الدبابات الأمريكية تجتاح المقبرة وتدمر سياجها الخارجي !


.مديرة مستشفى شهير وسط بغداد آخر الموتى المدفونين فيها.


.عزرا وجماعته في قبر واحد,وطيار تحت ثراها.


.اليهود يدفعون فواتير الماء والكهرباء منذ سنوات طويلة.


.طريقة تكفين ودفن الموتى متشابهة عند اليهود والمسلمين !


.دانيال يتبرع بمبلغ يعادل ميزانية العراق لبناء مقبرة أبناء الطائفة.


تحقيق :هادي جلو مرعي


كانت أمي تتذكر بإستمرار إمرأتين يهوديتين قتل عراقيون أبنا لهما .وتركوهما بلا حام أو معيل,ثم إستولوا على أرضهما الزراعية ,وبعدها كان الرحيل الى إسرائيل دولة الحلم اليهودي.
كان لليهود على مر التاريخ وجود طبيعي في العراق وكانوا مواطنين مميزين عملوا كبقية أبناء الطوائف الاخرى على إدارة شؤونهم والمشاركة في الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية ولهم حضور ديني متمثل بالعديد من المقامات والمراقد لأنبياء من بني إسرائيل,إضافة لما كانوا يمتلكون من محلات ودور وأسواق ومعامل وبساتين وأراض.
ونتيجة لعيشهم الطبيعي قبل قيام دولة إسرائيل فقد كان لهم مقابر في الأرض العراق كما لغيرهم من أتباع الديانات الأخرى كالمسلمين والمسيحيين والصابئة والأيزيديين .ولهم شعائر وطقوس تتشابه وتختلف مع غيرها من طقوس الاتباع من أبناء الطوائف الأخرى وظلت تلك المقابر في بلاد الرافدين حتى بعد رحيل اليهود الى إسرائيل ومن العراقيين من ظل متخفيا لم يعلن عن نفسه ومنهم من غادر الى بلاد أخرى رافضا الهجرة الى فلسطين المحتلة.
لم أكن أعرف بمكان المقبرة,وفوجئت به,ولم أكن لأتوقع أن تكون أكبر مقبرة لليهود في العراق وفي بغداد تحديدا,وفي مدينة الصدربالذات,وهي الضاحية الشمالية الفقيرة شمال العاصمة التي شهدت العديد من المواجهات الدامية بين القوات الأمريكية والمسلحين الرافضين لوجودها..في حي الحبيبية وفي المنطقة الواقعة جوار العمارات السكنية البائسة تقع تلك المقبرة التي يقول عنها الباحث الإسلامي أحمد جواد العلاق :أنها إشارة على روح التسامح التي يتمتع بها المسلمون,الذين يحترمون أرواح وأجساد المخالفين لهم,بينما يهاجم بعض المنضوين في ظل منظمات يهودية متعصبة مقابر المسلمين في القدس القديمة ومدن من فلسطين وحتى في القارة الأوربية كما في ألمانيا وفرنسا.
ورث أبو عمر( زياد البياتي) عن والده المسؤولية عن رعاية وخدمة وحتى إدارة اكبر مقبرة لطائفة الموسوية اليهود في العاصمة، ويقول زياد البياتي, التركماني ,السني ,المتزوج من شيعية, والساكن في مدينة الصدر المكتظة بالشيعة، إن هذه المقبرة تضم أكثر من أربعة آلاف قبر لرجال ونساء توفوا على مدى القرن الماضي وربما أبعد من ذلك، لكنها لم تكن في موضعها الحالي إلا في العام 1975, وهي بذلك تمثل تعبيراً عن واقع العاصمة بغداد التي أخذت تتوسع كثيراً ,وصار الموقع القديم في حي النهضة حاجزاً في وجه التطور العمراني الكبير حيث أتخذ قرار من السلطات بنقل المقبرة الى خارج المدينة، وهذا الخارج الآن هو جزء حيوي من بغداد، لكن هذه المنطقة في حقيقتها كانت أرض مفتوحة, وممتدة ,ولم يكن من عمران فيها،
- بمعنى آخر إنك والعائلة غير مسؤولين عن الفترة الزمنية التي كانت فيها المقبرة داخل العاصمة؟
• نعم علاقتنا ومسؤوليتنا بدأت في العام 1975 حين خصصت هذه الأرض لتكون الموضع البديل وتم نقل رفات الآلاف من المتوفين إيها بإشراف دقيق من السلطات المحلية ومن وزارة الأوقاف العراقية ورجال دين من الطائفة الموسوية.
- الى من تعود ملكية الأرض هذه؟
• كانت مملوكة لمواطن يهودي يدعى دانيال تبرع بها، إضافة الى مبلغ مليون دينار عراقي حينه.
- ماهي مادة بناء الشواهد؟
• كما ترى فإن القبور مبنية من مادة الإسمنت والرمل لكي تقاوم عوامل الزمن خاصة وإن البيئة العراقية لا تساعد في إدامة القبور ,ولعدم وجود أفراد أو جماعات يزورونها بإنتظام كما إن الكتابة باللغة العبرية, وليست بالعربية.
- من كان آخر من دفن هنا من اليهود المتوفين؟
• كانت امرأة من ابناء الطائفة، وهي تعمل مديرة لمستشفى الواسطي لعلاج حالات الكسور في العاصمة بغداد، توفيت في العام 2009، وتم تجهيزها ودفنها هنا مع بقية أبناء الطائفة, وبطريقة البناء ذاتها.
- هل من زيارات للمقبرة من قبل ابناء الطائفة؟
• تكاد أن تكون معدومة، وقد جاء مواطن عراقي مقيم في بريطانيا من مدة لزيارة أضرحة تعود لذويه، وهي آخر زيارة حدثت علماً إن أبناء وأحفاد المدفونين هنا يعيشون في مختلف أنحاء العالم.
- كيف تتم طقوس غسل ,وتكفين الموتى, وعملية تحنيطهم ودفنهم؟
• هي مشابهة في الحقيقة للطقوس التي يقوم بها المسلمون في دفن موتاهم، ولا أعلم هل هي بالفعل متشابهة أم إن للبيئة العراقية تأثير في السلوك والشعائر الدينية لليهود العراقيين.
- من يتولى الإنفاق على ترميم الشواهد؟ والخدمات العامة؟
• الطائفة الموسوية ,ومقرها في شارع النهر الواقع على ضفة دجلة بجانب الرصافة وهو من أقدم وأشهر الشوارع في بغداد، وهي المسؤولة عن دفع فواتير الماء والكهرباء ايضاً، وراتبي انا شخصياً, عدا عن ترميم القبور, والشواهد، وتتحمل كافة المتعلقات المادية الاخرى.
- هل من جهات رسمية مسؤولة عن المقبرة؟
• كانت وزارة الأوقاف العراقية هي المسؤولة، وبعد عام 2003 إنتقلت المسؤولية كاملة الى الطائفة اليهودية.
- ما قصة عزرا وزملائه المدفونين سوية؟
• هؤلاء أعدموا وكانوا خمسة، أعدمهم النظام العراقي السابق بتهمة التجسس لحساب إسرائيل ,وقد دفنوا متقاربين,وهناك قبر لطيار يهودي أيضا.
- متى تم ترميم السياج الخارجي؟
• في العام 1989 كانت المرة الاولى، لكن القوات الأمريكية إقتحمت بدبابة ذلك السياج ,وأحدثت فيه ضرراً بالغاً بعد أن تحصن جنود من الجيش العراقي السابق داخل المقبرة، وكان ذلك في عام 2003ما تطلب تعميره ثانية.
- تعرضت مقابر المسلمين في أوربا وفلسطين للتدمير، فهل من ردات فعل هنا ضد هذه المقبرة ,خاصة وإن مدينة الصدر معروفة بتأثير الدين فيها؟
• في الواقع الناس هنا يحترمون هذا المكان خاصة وإنه يضم آلاف الأموات، والإسلام يحترم كرامة الإنسان في حياته ومماته، الله يقول: ولقد كرمنا بني آدم. ولم يخصص الآية لفئة دينية, او قومية بعينها.
- هل تجد دوراً للحكومة العراقية في صيانة وحماية هذه المقبرة، خاصة وإنها تعاني الإهمال؟
• في الواقع فإن أمر المقبرة يعود الى الطائفة الموسوية اليهودية، والحكومة غير مسؤولة عن الإنفاق المادي، ولا بأس في أي عناية يمكن أن تتوفر.
قبل مغادرة المقبرة إنتبهت لبناء بسيط مهمل، عرفت من زياد إنه المكان الذي يتم فيه تحنيط الميت, غسله وتكفينه، لكنه كان في غاية الرداءة ,وقد وضعت فيه ممتلكات, وبدا معها إنه أشبه بالمخزن الصغير، وكانت آخر الصور التي إلتقطتها الى جوار ذلك المبنى ,وسرحت في البعيد لأرسم صورة في الخيال ,وكأني أقف لأراقب جسداً ممدداً على دكة التغسيل, بينما جمع من أبناء الطائفة ينظرون وجلين بإنتظار الإنتهاء من تحنيط عزيزهم، ليوضع في قبره ثم يغيب عن العيون الباكية,وهذه هي سنة الله في خلقه.


hadeejalu@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق